تشارك مملكة البحرين، المجتمع الدولي اليوم في الاحتفال "باليوم العالمي لحقوق الإنسان" وهو اليوم الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة بمناسبة تدشين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر عام 1948م.
وهنا أود اغتنام هذه الفرصة، لبيان جزءًا من جهود مملكة البحرين في احترام حقوق الإنسان في المجالات كافة، مما جعل البحرين نموذجًا راقيًا في المنطقة ومثالاً حيًا على التحضر والتسامح، بشكل يدعونا إلى الفخر بما حققته مملكتنا الغالية وأسهمت فيه من تقدم في هذا المجال، وبشكل خاص مع تدشين المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد المفدى، وإقرار ميثاق العمل الوطني عام 2001م بأغلبية ساحقة بلغت 94.8%، وهو ما ترجمه دستور المملكة الذي يؤكد على حقوق الإنسان ويعمل على صيانتها والحفاظ عليها، فهو يضمن حرية التعبير وحرية الصحافة، وحرية التجمع، ويرسخ قيم المساواة بين جميع السكان بغض النظر عن الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة، كما يقر حرية ممارسة الشعائر الدينية لأصحابها.
أقر دستور مملكة البحرين أيضًا المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات القانونية والسياسية، الأمر الذي انعكس ايجابًا على مشاركة المرأة في الحياة السياسية والوظيفية، إذ شكلت المرأة البحرينية أكثر من 45٪ من موظفي الخدمة المدنية، كما أن لدينا العديد من السيدات عضوات في البرلمان بمجلسيه النواب والشورى، بالإضافة إلى المؤسسات المستقلة التي تعنى بشئون المرأة مثل المجلس الأعلى للمرأة الذي تترأسها قرينة عاهل البلاد المفدى سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، بجانب ذلك توجد الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تختص بقضايا المرأة أو التي تساهم فيها المرأة بدور واضح وفعال.
عملت مملكة البحرين أيضًا على احترام حقوق الإنسان في مجالات الطفولة، حيث وقعت في عام 2004م على (البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة)، والذي تم اعتماده بموجب قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 مايو 2000م.
وفي نفس الإطار العام فإن مملكة البحرين هي من أوائل الدول في المنطقة التي تقبل بعملية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان فيها، وهي العملية التي اعتبرتها الأمم المتحدة " فرصة لجميع الدول للإعلان عن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أحوال حقوق الإنسان في بلدانها والتغلب على التحديات التي تواجه التمتع بحقوق الإنسان".
أما على الصعيد العملي والواقعي فإن أبرز مثال حدث في الآونة الأخيرة يدل على منهجية العمل على تعزيز واحترام حقوق الإنسان، كان إنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في 29 يونيو 2011م، للتحقيق في الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين في ذلك العام، وهي خطوة شجاعة وغير مسبوقة وهدفت بموجب التكليف الملكي السامي لها بالتحقيق في أحداث عام 2011 والخروج بنتائج وتوصيات تتعلق بها.
ولقيت اللجنة والتي عُرفت إعلاميا باسم (لجنة بسيوني) كل الدعم من جانب مملكة البحرين وقيادتها، وفي 23 نوفمبر 2011م قام رئيس اللجنة الأستاذ الدكتور/ شريف بسوني، برفع تقرير اللجنة وما احتواه من توصيات إلى صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
وقد أصدرت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق 26 توصية تدعم وتعزز احترام حقوق الإنسان في مجالات عدة، كان من ضمنها التوصية رقم 1717 والتي نتج عنها إصدار مرسوم ملكي بتأسيس مكتب الأمين العام للتظلمات، وذلك في فبراير 2012م، أصبح فيما بعد الأمانة العامة للتظلمات بموجب المرسوم رقم (35) لسنة 2013م، الذي وسع من اختصاص الأمانة، ليشمل تنفيذ الفقرة (د) من التوصية رقم 1722 من توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وبذلك أصبحت الأمانة العامة هي أول جهاز تنفيذي مستقل من نوعه في المنطقة، يختص بعمل منتسبي أجهزة وإدارات وزارة الداخلية.
ويعد اختصاص كل من الأمانة العامة للتظلمات ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والتي اُنشئت بموجب المرسوم رقم (61) لسنة 2013م، في زيارة السجون وأماكن الحبس الاحتياطي والاحتجاز، تطور حقوقي مهم في هذا المجال، حيث أنه قبل عام 2011م لم يكن هناك سوي جهتين فقط هما: السلطة القضائية والنيابة العامة، لهما صلاحية زيارة وتفتيش هذه الأماكن، أما بعد تشكيل وتأسيس العديد من المؤسسات المستقلة المعنية بأوضاع النزلاء والمحبوسين والمحتجزين فقد أصبح لدينا الآن كل من: الأمانة العامة للتظلمات، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، لها صلاحيات زيارة هذه الأماكن ومراقبتها، هذا بالإضافة إلى ما تقوم به (اللجنة الدولية للصليب الأحمر) في هذا المجال بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية.
من جانبها تقوم الأمانة العامة للتظلمات بالتحقيق في الشكاوى المقدمة من جانب النزلاء والمحبوسين والمحتجزين، والتي قد تتعلق بأسلوب معاملتهم، أو ظروف احتجازهم، أو الضمانات والحقوق المقدمة لهم، أو الرعاية الصحية، أو غيرها من طلبات المساعدة، كما تتعاون بشكل مستمر مع مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين عن طريق تبادل الخبرات ومهارات العمل ووضع آليات ومعايير للتفتيش على السجون وأماكن الحبس الاحتياطي والاحتجاز، لاسيما وأن الأمانة العامة للتظلمات أصبح لديها خبرة واقعية في تفتيش هذه المقار بعد زياراتها المفاجئة لمركز الإصلاح والتأهيل بجو (سجن جو) والتي جرت على مدى عدة أيام في شهر سبتمبر 2013م، ونشرت تقرير بشأنها في الشهر نفسه، من جانبها اتخذت مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين المبادرة في القيام بالزيارات التفتيشية للسجون وأماكن الحبس الاحتياطي والاحتجاز، حيث قامت منذ أبريل 2014م بتسع زيارات تفتيشية مفاجئة شملت كل من:
مركز الحبس الاحتياطي بالحوض الجاف، مديرية شرطة محافظة العاصمة، مديرية شرطة محافظة المحرق، مديرية شرطة المحافظة الشمالية، مديرية شرطة المحافظة الجنوبية، الإدارة العامة للمباحث والادلة الجنائية، مركز رعاية الأحداث، مركز إصلاح وتأهيل النزيلات، مركز الاحتجاز والحبس الاحتياطي للنساء.
من جانب آخر فإن كل من الأمانة العامة للتظلمات ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين تدركان ضرورة التطوير المستمر لعملهما، من خلال الاستفادة من الخبرات المكتسبة من الواقع المهني العملي، ومن خلال تدعيم أواصر التعاون مع المؤسسات الدولية ذات الخبرة والكفاءة، وعن طريق تعزيز التعاون المشترك مع المؤسسات والهيئات الوطنية ذات الاختصاص المشابه، والجهات ذات العلاقة بمجال عملهما في السلطتين النيابية والقضائية.
إن كل من الأمانة العامة للتظلمات ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين يسعدهما المشاركة في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وتؤكدان اهتمامهما بالدور الحقوقي الذي تلعبانه في المجتمع، كمؤسستين مستقلتين تعملان من أجل خدمة الجمهور واكتساب ثقته والعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان في مجالات عملهما.
نواف محمد المعاودة
الأمين العام للتظلمات ورئيس مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين